سورة هود - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32)}
{جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} معناه: أردت جدالنا وشرعت فيه فأكثرته، كقولك: جاد فلان فأكثر وأطاب {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} من العذاب المعجل.


{قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)}
{إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ الله} أي ليس الإتيان بالعذاب إليّ إنما هو إلى من كفرتم به وعصيتموه {إِن شَاء} يعني إن اقتضت حكمته أن يعجله لكم.
وقرأ ابن عباس رضي الله عنه. {فأكثرت جدلنا} فإن قلت: ما وجه ترادف هذين الشرطين؟ قلت: قوله: {إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} جزاؤه ما دلّ عليه قوله: {لاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى} وهذا الدال في حكم ما دلّ عليه، فوصل بشرط كما وصل الجزاء بالشرط في قولك: إن أحسنت إليّ أحسنت إليك إن أمكنني.
فإن قلت: فما معنى قوله: {إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ}؟ قلت: إذا عرف الله من الكافر الإصرار فخلاه وشأنه ولم يلجئه، سمى ذلك إغواء وإضلالاً، كما أنه إذا عرف منه أنه يتوب ويرعوي فلطف به: سمي إرشاداً وهداية. وقيل: {أَن يُغْوِيَكُمْ} أن يهلككم من غوى الفصيل غوي، إذا بشم فهلك، ومعناه: أنكم إذا كنتم من التصميم على الكفر بالمنزلة التي لا تنفعكم نصائح الله ومواعظه وسائر ألطافه، كيف ينفعكم نصحي؟ {فَعَلَىَّ إِجْرَامِى} وإجرامي بلفظ المصدر والجمع. كقوله: والله يعلم إسرارهم وأسرارهم. ونحو: جرم وأجرام قفل وأقفال. وينصر الجمع أن فسره الأولون بآثامي والمعنى: إن صح وثبت أني افتريته، فعلي عقوبة إجرامي أي افترائي. وكان حقي حينئذ أن تعرضوا عني وتتألبوا عليّ {وَأَنَاْ بَرِيء} يعني ولم يثبت ذلك وأنا بريء منه. ومعنى {مّمَّا تُجْرَمُونَ} من إجرامكم في إسناد الافتراء إليّ فلا وجه لإعراضكم ومعاداتكم.


{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)}
{لَن يُؤْمِنَ} إقناط من إيمانهم، وأنه كالمحال الذي لا تعلق به للتوقع {إِلاَّ مَنْ قَدْ ءَامَنَ} إلا من قد وجد منه ما كان يتوقع من إيمانه، وقد للتوقع وقد أصابت محزها {فَلاَ تَبْتَئِسْ} فلا تحزن حزن بائس مستكين، قال:
مَا يَقْسِمُ اللَّهُ فَاقْبَلْ غَيْرَ مُبْتَئِس *** مِنْهُ وَاقْعُدْ كَرِيماً نَاعِمَ الْبَالِ
والمعنى: فلا تحزن بما فعلوه من تكذيبك وإيذائك ومعاداتك، فقد حان وقت الانتقام لك منهم {بِأَعْيُنِنَا} في موضع الحال، بمعنى: اصنعها محفوظاً، وحقيقته: ملتبساً بأعيننا، كأن لله معه أعينا تكلؤه أن يزيغ في صنعته عن الصواب، وأن لا يحول بينه وبين عمله أحد من أعدائه. ووحينا: وأنا نوحي إليك ونلهمك كيف تصنع. عن ابن عباس رضي الله عنه: لم يعلم كيف صنعة الفلك، فأوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر {وَلاَ تخاطبنى فِي الذين ظَلَمُواْ} ولا تدعني في شأن قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك {إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} إنهم محكوم عليهم بالإغراق، وقد وجب ذلك وقضي به القضاء وجف القلم، فلا سبيل إلى كفه، كقوله: {يإبراهيم أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبّكَ وَإِنَّهُمْ اتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هود: 76].

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10